الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
بسم الله الرحمن الرحيم بِك اللَّهُمَّ أَسْتَعِينُ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا قَامَ بِهِ مِنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ وَيَغْزُوهُمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ وَيَحْمِي ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلاَ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ خِدَاشٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ" نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ". قال أبو محمد: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا. وَمَنْ أَمَرَهُ الأَمِيرُ بِالْجِهَادِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ قَاطِعٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَلاَ يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَدُوُّ بِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُمْكِنُهُ إعَانَتُهُمْ أَنْ يَقْصِدَهُمْ مُغِيثًا لَهُمْ أَذِنَ الأَبَوَانِ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا إِلاَّ أَنْ يَضِيعَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ, فَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَنْ يَضِيعُ مِنْهُمَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا آدَم نَا شُعْبَةُ نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ لَهُ عليه السلام: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: لاَ طَاعَةَ لأََحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفِرَّ عَنْ مُشْرِكٍ, وَلاَ عَنْ مُشْرِكَيْنِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَصْلاً; لَكِنْ يَنْوِي فِي رُجُوعِهِ التَّحَيُّزَ إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْ رَجَا الْبُلُوغَ إلَيْهِمْ, أَوْ يَنْوِي الْكَرَّ إلَى الْقِتَالِ, فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إِلاَّ تَوْلِيَةَ دُبُرِهِ هَارِبًا فَهُوَ فَاسِقٌ مَا لَمْ يَتُبْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الْفِرَارَ لَهُ مُبَاحٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا وَهَذَا خَطَأٌ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ " إنْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَدْ فَرَّ, وَإِنَّ فَرَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ ". قال أبو محمد: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا, مِنْهَا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ جَهْرًا فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ, وَإِخْبَارُهُ: أَنَّهُ لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ, وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى, أَوْ كَلاَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . وَأَمَّا الآيَةُ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهَا; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لاَ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ بِإِبَاحَةِ الْفِرَارِ عَنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ; وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ فِينَا ضَعْفًا, وَهَذَا حَقٌّ إنَّ فِينَا لَضَعْفًا، وَلاَ قَوِيَّ إِلاَّ وَفِيهِ ضَعْفٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ فَهُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي لاَ يَضْعُفُ، وَلاَ يُغْلَبُ. وَفِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَفَّفَ عَنَّا فَلَهُ الْحَمْدُ وَمَا زَالَ رَبُّنَا تَعَالَى رَحِيمًا بِنَا يُخَفِّفُ عَنَّا فِي جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي أَلْزَمْنَا. وَفِيهَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنَّا مِائَةٌ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ, وَإِنْ يَكُنْ مِنَّا أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ, وَهَذَا حَقٌّ, وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمِائَةَ لاَ تَغْلِبُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ، وَلاَ أَقَلَّ أَصْلاً; بَلْ قَدْ تَغْلِبُ ثَلاَثَمِائَةٍ, نَعَمْ وَأَلْفَيْنِ وَثَلاَثَ آلاَفٍ، وَلاَ أَنَّ الأَلْفَ لاَ يَغْلِبُونَ إِلاَّ أَلْفَيْنِ فَقَطْ لاَ أَكْثَرَ، وَلاَ أَقَلَّ, وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فِي الآيَةِ فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ أَثَرٌ, وَلاَ إشَارَةٌ, وَلاَ نَصٌّ, وَلاَ دَلِيلٌ, بَلْ قَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذَلِكَ نَسْأَلُهُمْ عَنْ أَلْفِ فَارِسٍ, نُخْبَةٍ, أَبْطَالٍ, أَمْجَادٍ, مُسَلَّحِينَ, ذَوِي بَصَائِرَ, لَقَوْا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ, مِنْ مَحْشُودَةِ بَادِيَةِ النَّصَارَى, رِجَالَةً, مُسَخَّرِينَ أَلْهَمَ أَنْ يَفِرُّوا عَنْهُمْ وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ, إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً. قال أبو محمد: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِلاَ دَلِيلٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ,، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى, قَالاَ جَمِيعًا: نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ نَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ: كَانَتْ ( الأَنْفَالُ ) مِنْ أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الْأُبُلِّيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ, وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ, وَأَكْلُ الرِّبَا, وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ, وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ, وَإِسْلاَمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى بِلاَ شَكٍّ بَعْدَ نُزُولِ " سُورَةِ الأَنْفَالِ " الَّتِي فِيهَا الآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ غَيْرَهُ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع التَّمِيمِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ, نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَجُلاً سَأَلَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً حَمَلَ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَهُمْ أَلْفٌ, أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ الْبَرَاءُ لاَ, وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ: أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ وَيَقُولُ: لاَ تَوْبَةَ لِي. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا لَقِيتُمْ فَلاَ تَفِرُّوا. وَعَنْ عَلِيٍّ, وَابْنِ عُمَرَ: الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَلَمْ يَخُصُّوا عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ, وَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ, وَلاَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ, عَلَى الْعَسْكَرِ الْجَرَّارِ وَيَثْبُتَ حَتَّى يُقْتَلَ. وَقَدْ ذَكَرُوا حَدِيثًا مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ, أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتُرَاكَ قَاتِلٌ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ اجْلِسْ, فَإِذَا نَهَضَ أَصْحَابُكَ فَانْهَضْ وَإِذَا شَدُّوا فَشُدَّ وَهَذَا مُرْسَلٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ; بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَهُ مَا يُضْحِكُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا فَنَزَعَ الرَّجُلُ دِرْعَهُ وَدَخَلَ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه. وَجَائِزٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ, وَأَطْعِمَتِهِمْ, وَزَرْعِهِمْ وَدُورِهِمْ, وَهَدْمُهَا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وقد رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: لاَ تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلاَ تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يَنْهَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ اخْتِيَارًا; لأََنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَيْضًا مُبَاحٌ كَمَا فِي الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ, وَلَمْ يَقْطَعْ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا نَخْلَ خَيْبَرَ, فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ عَقْرُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِهِمْ أَلْبَتَّةَ لاَ إبِلٍ, وَلاَ بَقَرٍ, وَلاَ غَنَمٍ, وَلاَ خَيْلٍ, وَلاَ دَجَاجٍ, وَلاَ حَمَامٍ, وَلاَ أَوَزًّ, وَلاَ بِرَكٍ, وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ إِلاَّ لِلأَكْلِ فَقَطْ, حَاشَا الْخَنَازِيرَ جُمْلَةً فَتُعْقَرُ, وَحَاشَا الْخَيْلَ فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ, وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ, أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهَا أَدْرَكَهَا الْعَدُوُّ وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْعِهَا, أَوْ لَمْ يُدْرِكُوهَا وَيُخَلَّى كُلُّ ذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى مَنْعِهِ, وَلاَ عَلَى سَوْقِهِ, وَلاَ يُعْقَرُ شَيْءٌ مِنْ نَحْلِهِمْ, وَلاَ يُغَرَّقُ, وَلاَ تُحَرَّقُ خَلاَيَاهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَعَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ عَقْرُهَا لَكِنْ يَدَعُهَا كَمَا هِيَ وَهِيَ لَهُ أَبَدًا مَالٌ مِنْ مَالِهِ كَمَا كَانَتْ لاَ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا حُكْمٌ بِلاَ نَصٍّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ: يُعْقَرُ كُلُّ ذَلِكَ, فأما الْإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ, فَتُعْقَرُ, ثُمَّ تُحْرَقُ, وَأَمَّا الْخَيْلُ, وَالْبِغَالُ, وَالْحَمِيرُ فَتُعْقَرُ فَقَطْ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: أَمَّا الْبِغَالُ, وَالْحَمِيرُ, فَتُذْبَحُ, وَأَمَّا الْخَيْلُ فَلاَ تُذْبَحُ, وَلاَ تُعْقَرُ, لَكِنْ تُعَرْقَبُ, أَوْ تُشَقُّ أَجْوَافُهَا. قال أبو محمد: فِي هَذَا الْكَلاَمِ مِنْ التَّخْلِيطِ مَا لاَ خَفَاءَ بِهِ عَلَى ذِي فَهْمٍ, أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَتَفْرِيقٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ, وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَكَلُوا الْإِبِلَ, وَالْبَقَرَ, وَالْغَنَمَ, وَالْخَيْلَ إذَا وَجَدُوهَا مَنْحُورَةً فَكَانَ هَذَا الأَحْتِجَاجُ أَدْخَلَ فِي التَّخْلِيطِ مِنْ الْقَوْلَةِ الْمُحْتَجِّ لَهَا. وَلَيْتَ شِعْرِي مَتَى كَانَتْ النَّصَارَى, أَوْ الْمَجُوسُ, أَوْ عُبَّادُ الأَوْثَانِ يَتَجَنَّبُونَ أَكْلَ حِمَارٍ, أَوْ بَغْلٍ, وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى أَكْلِ الأَنْعَامِ, وَالْخَيْلِ, وَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ, وَلاَ يُحَرِّمُونَ حَيَوَانًا أَصْلاً وَأَمَّا الْيَهُودُ, وَالصَّابِئُونَ: فَلاَ يَأْكُلُونَ شَيْئًا ذَكَّاهُ غَيْرُهُمْ أَصْلاً وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَاحْتَجُّوا فِي إبَاحَتِهِمْ قَتْلَ كُلِّ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد : . فَقُلْنَا لَهُمْ: فَاقْتُلُوا أَوْلاَدَهُمْ, وَصِغَارَهُمْ, وَنِسَاءَهُمْ, بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ أَغِيظُ لَهُمْ مِنْ قَتْلِ حَيَوَانِهِمْ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ, وَالصِّبْيَانِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: وَهُوَ عليه السلام نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ, إِلاَّ لِمَأْكَلِهِ, وَلاَ فَرْقَ; وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَغِيظَهُمْ فِيمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لاَ بِمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فِعْلُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلاَّ سَأَلَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا، وَلاَ يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ نَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُمَثِّلُوا بِالْبَهَائِمِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ لأََمِيرِ جَيْشٍ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ: لاَ تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلاَ بَعِيرًا إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ، وَلاَ تُحَرِّقَنَّ نَحْلاً، وَلاَ تُغْرِقَنَّهُ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَأَمَّا الْخَنَازِيرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ, وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ قَتْلَ الْخِنْزِيرِ مِنْ الْعَدْلِ الثَّابِتِ فِي مِلَّتِهِ الَّتِي يُحْيِيهَا عِيسَى أَخُوهُ عليهما السلام. وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ خَبَرًا لاَ يَصِحُّ, فِيهِ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَرْقَبَ فَرَسَهُ يَوْمَ قُتِلَ وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ لَمْ يُسَمِّهِ, وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ. وَأَمَّا الْفَرَسُ فِي الْمُدَافَعَةِ فَإِنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ أَوْ أَسْرَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَهُ. وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ نِسَائِهِمْ، وَلاَ قَتْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ, إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِ مَنْجًى مِنْهُ إِلاَّ بِقَتْلِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ حِينَئِذٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبُخَارِيِّ نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ " أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ". فَإِنْ أُصِيبُوا فِي الْبَيَاتِ أَوْ فِي اخْتِلاَطِ الْمَلْحَمَةِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا سُفْيَانُ نَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ. وَجَائِزٌ قَتْلُ كُلِّ مَنْ عَدَا مِنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُقَاتِلٍ, أَوْ غَيْرِ مُقَاتِلٍ, أَوْ تَاجِرٍ, أَوْ أَجِيرٍ وَهُوَ الْعَسِيفُ أَوْ شَيْخٍ كَبِيرٍ كَانَ ذَا رَأْيٍ, أَوْ لَمْ يَكُنْ, أَوْ فَلَّاحٍ, أَوْ أُسْقُفٍ, أَوْ قِسِّيسٍ, أَوْ رَاهِبٍ, أَوْ أَعْمَى, أَوْ مُقْعَدٍ لاَ تُحَاشِ أَحَدًا. وَجَائِزٌ اسْتِبْقَاؤُهُمْ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ يُقْتَلُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا, وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ نَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقَّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ: أَدْرِكْ خَالِدًا وَقُلْ لَهُ: لاَ تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً, وَلاَ عَسِيفًا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيِّ عَنْ عَمِّهِ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَقْتُلُوا الذُّرِّيَّةَ، وَلاَ عَسِيفًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْفِرْزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ: انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ عَدُوَّ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا, وَلاَ طِفْلاً, وَلاَ امْرَأَةً وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُمَيْدٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْلًى لِبَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَقْتُلُوا صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ شَيْخًا كَبِيرًا. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شَيْخٍ بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الْعُسَفَاءِ وَالْوُصَفَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عَنْبَسَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَوْ يُعْقَرَ شَجَرٌ إِلاَّ شَجَرٌ يَضُرُّ بِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الأَحْوَصِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الَّذِي لاَ حَرَاكَ بِهِ. وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ لأََمِيرٍ لَهُ: لاَ تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً, وَلاَ صَبِيًّا, وَلاَ كَبِيرًا هَرِمًا, إنَّك سَتَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ زَعَمُوا لِلَّهِ فَدَعْهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ, وَسَتَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ فَحَصُوا مِنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ وَتَرَكُوا فِيهَا مِنْ شُعُورِهِمْ أَمْثَالَ الْعَصَائِبِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانُوا لاَ يَقْتُلُونَ تُجَّارَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالُوا: إنَّمَا نَقْتُلُ مَنْ قَاتَلَ وَهَؤُلاَءِ لاَ يُقَاتِلُونَ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ, وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ. أَمَّا حَدِيثُ الْمُرَقَّعِ فَالْمُرَقَّعُ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ شَيْخٍ مَدَنِيٍّ لَمْ يُسَمِّ, وَقَدْ سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ بْنَ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْخَبَرَانِ الآخَرَانِ, مُرْسَلاَنِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ رَاشِدٍ مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَعَنْ خَالِدِ بْن الْفَرْزِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَحَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شَيْخٍ بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وأعجب مِنْهُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ الْقُرْآنُ وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ فَلَيْسَ قَيْسٌ بِالْقَوِيِّ, وَلاَ عُمَرُ مَوْلَى عَنْبَسَةَ مَعْرُوفًا, وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ رضي الله عنهم, فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَمِنْ عَجَائِبِهِمْ هَذَا الْخَبَرُ نَفْسُهُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِيهِ جَاءَ نَهْيُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَنْ عَقْرِ شَيْءٍ مِنْ الْإِبِلِ, أَوْ الشَّاةِ إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ. وَفِيهِ جَاءَ: أَنْ لاَ يُقْطَعَ الشَّجَرُ، وَلاَ يُغَرَّقُ النَّحْلُ فَخَالَفُوهُ كَمَا اشْتَهَوْا حَيْثُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ; لأََنَّ السُّنَّةَ مَعَهُ, وَحَيْثُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. ثُمَّ احْتَجُّوا بِهِ حَيْثُ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم, وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ تُجَّارَ الْمُشْرِكِينَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ تَرْكَهُمْ قَتْلَهُمْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ جُمْلَةِ أَمْرِهِمْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ مُبَيِّنًا عَنْهُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ قَتْلِهِمْ, وَإِنَّمَا فِيهِ اخْتِيَارُهُمْ لِتَرْكِهِمْ فَقَطْ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ, وَمُجَاهِدٍ, وَالضَّحَّاكِ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ مُجَاهِدٍ, وَالضَّحَّاكِ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ, وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَكَذَلِكَ أَيْضًا هَذَا الْخَبَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لاَ يَصِحُّ; لأََنَّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, وَعَطَاءٍ, وَثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ, وَكُلُّهُمْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِدَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِخَبَرِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِخَبَرِ الْحَجَّاجِ مُسْنَدًا اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ لَكُنَّا أَدْخَلَ مِنْهُمْ فِي الْإِيهَامِ; وَلَكِنْ يُعِيذُنَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لاَ نَرَاهُ صَحِيحًا, وَفِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ كِفَايَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا نُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ, فَبَاطِلٌ; بَلْ نَقْتُلُ كُلَّ مَنْ يُدْعَى إلَى الإِسْلاَمِ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤْمِنَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ إنْ كَانَ كِتَابِيًّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ لاَ كَمَا أَمَرَ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ يَقُولُ: إنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُقْتَلْ, فَإِنْ قَتَلَتْ قُتِلَتْ, وَإِنْ سَبَّ الْمُشْرِكُونَ أَهْلُ الذِّمَّةِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُرِكُوا, وَسَبَّهُمْ لَهُ حَتَّى يُشْفُوا صُدُورَهُمْ وَيَخْزَى الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ. تَبًّا لِهَذَا الْقَوْلِ وَقَائِلِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ الْقُرَظِيّ نَا عَطِيَّةُ الْقُرَظِيّ قَالَ: عُرِضْتُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ, وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ, فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ. فَهَذَا عُمُومٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَبْقِ مِنْهُمْ عَسِيفًا, وَلاَ تَاجِرًا, وَلاَ فَلَّاحًا, وَلاَ شَيْخًا كَبِيرًا, وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْهُمْ رضي الله عنهم مُتَيَقَّنٌ; لأََنَّهُمْ فِي عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ, وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ: أَنْ لاَ يَجْلِبُوا إلَيْنَا مِنْ الْعُلُوجِ أَحَدًا, اُقْتُلُوهُمْ, وَلاَ تَقْتُلُوا مِنْ جَرَتْ عَلَيْهِمْ الْمُوَاسِي، وَلاَ تَقْتُلُوا صَبِيًّا, وَلاَ امْرَأَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى الأَجْنَادِ: لاَ تَقْتُلُوا امْرَأَةً, وَلاَ صَبِيًّا, وَأَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوَاسِي. فَهَذَا عُمَرُ رضي الله عنه لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْخًا, وَلاَ رَاهِبًا, وَلاَ عَسِيفًا, وَلاَ أَحَدًا إِلاَّ النِّسَاءَ, وَالصِّبْيَانَ فَقَطْ ;، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ وَقَدْ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَهُوَ شَيْخٌ هَرِمٌ قَدْ اهْتَزَّ عَقْلُهُ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: لأََنَّهُ كَانَ ذَا رَأْيٍ . فَقُلْنَا لَهُمْ: وَمَنْ ذَا الَّذِي قَسَّمَ لَكُمْ ذَا الرَّأْيَ مِنْ غَيْرِهِ, فَلاَ سَمْعًا لَهُ، وَلاَ طَاعَةً وَمِثْلُ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ لاَ تُؤْخَذُ إِلاَّ مِنْ الْقُرْآنِ, أَوْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَيُغْزَى أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ كُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ, وَغَيْرِ فَاسِقٍ, وَمَعَ الْمُتَغَلِّبِ وَالْمُحَارِبِ, كَمَا يُغْزَى مَعَ الْإِمَامِ, وَيَغْزُوهُمْ الْمَرْءُ وَحْدَهُ إنْ قَدَرَ أَيْضًا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكُلُّ مَنْ دَعَا مِنْ إمَامٍ حَقٍّ, أَوْ غَيْرِهِ, إلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ, وَلاَ طَاعَةَ, كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ, وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَقَالَ عليه السلام: لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلاَلاً فَنَادَى فِي النَّاسِ: إنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ. فَمَنْ غَزَا مَعَ فَاسِقٍ فَلْيَقْتُلْ الْكُفَّارَ وَلِيُفْسِدْ زُرُوعَهُمْ وَدُورَهُمْ وَثِمَارَهُمْ, وَلْيَجْلِبْ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَلاَ بُدَّ, فَإِنَّ إخْرَاجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إلَى نُورِ الإِسْلاَمِ فَرْضٌ يَعْصِي اللَّهَ مَنْ تَرَكَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ, وَإِثْمُهُمْ عَلَى مَنْ غَلَّهُمْ, وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ أَقَلُّ مِنْ تَرْكِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَعَوْنِهِمْ عَلَى الْبَقَاءِ فِيهِ, وَلاَ إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ نَهَى عَنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأَمَرَ بِإِسْلاَمِ حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ ] مِنْ أَجْلِ فِسْقِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ لاَ يُحَاسَبُ غَيْرُهُ بِفِسْقِهِ. وَلاَ يَمْلِكُ أَهْلُ الْكُفْرِ الْحَرْبِيُّونَ مَالَ مُسْلِمٍ, وَلاَ مَالَ ذِمِّيٍّ أَبَدًا إِلاَّ بِالأَبْتِيَاعِ الصَّحِيحِ, أَوْ الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ, أَوْ بِمِيرَاثٍ مِنْ ذِمِّيٍّ كَافِرٍ, أَوْ بِمُعَامَلَةٍ صَحِيحَةٍ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ, فَكُلُّ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مَالِ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ, أَوْ آبِقٍ إلَيْهِمْ, فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ, فَمَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا, دَخَلُوا بِهِ أَرْضَ الْحَرْبِ, أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا، وَلاَ يُكَلَّفُ مَالِكُهُ عِوَضًا، وَلاَ ثَمَنًا, لَكِنْ يُعَوِّضُ الأَمِيرُ مَنْ كَانَ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ يَنْفُذُ فِيهِ عِتْقُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ, وَلاَ صَدَقَتِهِ, وَلاَ هِبَتِهِ, وَلاَ بَيْعِهِ, وَلاَ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ, وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يَغْصِبُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ, وَلاَ فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَلِمَنْ سَلَفَ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ سِوَى هَذَا. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لاَ يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لاَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَلاَ بَعْدَهَا, لاَ بِثَمَنٍ, وَلاَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ, وَهُوَ لِمَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمْ. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْضِي بِذَلِكَ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ مُكَاتَبًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَ بَكْرُ بْنُ قِرْوَاشَ عَنْهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ افْتَكَّهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ, وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْتَكَّهُ فَهُوَ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُرَدُّ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُعَاهَدًا. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ هَذَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ, فَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ حَتَّى قُسِمَ فَهُوَ لِلَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ لاَ يُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ لاَ بِثَمَنٍ, وَلاَ بِغَيْرِهِ. هَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ السِّهَامُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ, وَإِنْ كَانَ قُسِمَ فَلاَ شَيْءَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ يَزِيدَ الْمُرَادِيِّ أَنَّ أَمَةً لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَبَقَتْ إلَى الْعَدُوِّ فَغَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهَا أَهْلُهَا فَكَتَبَ فِيهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ, فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ كَانَتْ لَمْ تُخَمَّسْ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهَا, وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خُمِّسَتْ وَقُسِمَتْ فَأَمْضِهَا لِسَبِيلِهَا. وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ, قَالَ: صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ, وَيُونُسَ قَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ, وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ, قَالاَ جَمِيعًا: مَا غَنِمَهُ الْعَدُوُّ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ, فَإِنْ قُسِمَ فَقَدْ مَضَى. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ, وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ, وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ, وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَسُلَيْمَان بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ, وَقَالُوا: مَا غَنِمَ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ السُّهْمَانُ فَإِذَا قُسِمَ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا, وَأَخْبَرَ عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ, وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ إِلاَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِقِيمَتِهِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ. فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ لاَ يُرَدُّ مَا أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِنَا إلَى أَرْبَابِهَا, لاَ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ، وَلاَ بَعْدَ أَنْ تُقْسَمَ, لاَ بِثَمَنٍ، وَلاَ بِغَيْرِهِ, رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ, وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ, وَالزُّهْرِيِّ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ, وَقَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يُدْرِكَاهُ, وَرِوَايَةُ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحَةٌ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ بَيَانَ فِيهَا إنَّمَا هِيَ مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلاَ نَدْرِي مَا مَعْنَى: فَهُوَ جَائِزٌ, وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ جَائِزٌ لأََصْحَابِهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَلاَ يُرَدُّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ, رُوِيَ عَنْ عُمَرَ, وَأَبِي عُبَيْدَةَ, وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ;، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ, لأََنَّهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ, وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ, أَوْ ابْنِ عَوْنٍ, وَلَمْ يُدْرِكَا أَبَا عُبَيْدَةَ, وَلاَ عُمَرَ, وَلاَ نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ, وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمْ, لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ هُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ, وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ, وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ إِلاَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِقِيمَتِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ, لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ, وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ, وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الآبِقَ وَالْمَغْنُومَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ, وَإِنَّ الْمُدَبَّرَ, وَالْمُكَاتَبَ, وَأُمَّ الْوَلَدِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ, إِلاَّ أَنَّ سَيِّدَ أُمِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَفُكَّهَا. وَهَا هُنَا قَوْلٌ خَامِسٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ يُحْفَظُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ, وَهُوَ أَنَّ مَا أَبَقَ إلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَبَعْدَهَا بِلاَ ثَمَنٍ, وَكَذَلِكَ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مُدَبَّرٍ, وَمُكَاتَبٍ, وَأُمِّ وَلَدٍ, وَلاَ فَرْقَ. وَوَافَقَهُ فِي هَذَا سُفْيَانُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَمَّا مَا غَنِمُوهُ مِنْ الْإِمَاءِ, وَالْعَبِيدِ, وَالْحَيَوَانِ, وَالْمَتَاعِ, فَإِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلاَ ثَمَنٍ. وَإِنْ دَخَلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ; وَإِلَّا فَلاَ يُرَدُّ إلَيْهِ. قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ التَّخْلِيطِ وَالْفَسَادِ فِي التَّقْسِيمِ, لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَقْسِيمِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ, وَلاَ قِيَاسٍ, وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ. وقال بعضهم: إنَّمَا يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا مَا يَمْلِكهُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. قال أبو محمد: وَصَدَقَ هَذَا الْقَائِلُ، وَلاَ يَمْلِكُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ مَالاً بِالْبَاطِلِ, وَلاَ بِالْغَصْبِ أَصْلاً, وَلاَ بَاطِلَ, وَلاَ غَصْبَ أَحْرَمُ، وَلاَ أَبْطَلُ مِنْ أَخْذِ حَرْبِيٍّ مَالَ مُسْلِمٍ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ جُمْلَةً ثُمَّ نَظَرْنَا فِي سَائِرِ الأَقْوَالِ. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُمْ إنْ تَعَلَّقُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ; فَقَدْ عَارَضَتْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ هِيَ عَنْهُ أَمْثَلُ مِنْ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا وَأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ هِيَ مِثْلُ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا, فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ وقال بعضهم: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلاَ شَيْءَ لَهُ وَأَمْضِهَا لِسَبِيلِهَا أَيْ إِلاَّ بِالثَّمَنِ. فَقُلْنَا: مَا يَعْجِزُ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ عَنْ الْكَذِبِ; وَيُقَالُ لَكُمْ: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ إنَّهُ أَحَقُّ بِهَا بِالْقِيمَةِ أَيْ إنْ تَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ, وَإِلَّا فَلاَ; فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كَذِبٍ وَكَذِبٍ ثُمَّ وَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى بَعِيرًا مِنْ الْعَدُوِّ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ فَخَاصَمَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَهُ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَهُوَ لَكَ, وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ, وَسِمَاكٌ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ, شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ شُعْبَةُ, وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ يَاسِينُ الزَّيَّاتُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَيَاسِينُ لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ, وَسِمَاكٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ أَوْ الأَنْبَارِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مُسْنَدًا ,، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ أَوْ الْهَمَذَانِيُّ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ كِلاَهُمَا: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي بَعِيرٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ, ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ, وَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ شِئْتَ وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ هَالِكٌ, وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ:، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ, وقال أحمد: عَنْ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ, ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ; وَهَذَا مُنْقَطِعٌ غَيْرُ مُسْنَدٍ, عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ تَالِفَةٌ, وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا الْخَبَرُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ الصَّحِيحِ عَنْهُ أَصْلاً, فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ, وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ حُجَّةٌ. قلنا: لاَ عَلَيْكُمْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَيْدَ بْنُ ظُهَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ وَكَانَ وَالِيَ الْيَمَامَةِ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي السَّرِقَةِ: إنْ كَانَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي سَرَقَهَا غَيْرَ مُتَّهَمٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُهَا إنْ شَاءَ أَخَذَ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ سَارِقَهُ ثُمَّ قَضَى بِذَلِكَ بَعْدَهُ: أَبُو بَكْرٍ, وَعُمَرُ, وَعُثْمَانُ وَقَضَى بِهِ أُسَيْدَ بْنُ ظُهَيْرٍ. قال أبو محمد: وَقَدْ قَضَى بِهِ أَيْضًا: عُمَيْرَةُ بْنُ يَثْرَى قَاضِي الْبَصْرَةِ لِعُمَرَ . وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. فَهَذَا خَبَرٌ أَحْسَنُ مِنْ خَبَرِكُمْ وَأَقُومُ, وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ مُتَلاَعِبُونَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَتَرَكْنَاهُ, لأََنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ, فَهُوَ وَاَللَّهِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ أَشْبَهَ مِنْ يَاسِينَ وَالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ, وَمَا هُوَ بِدُونِ سِمَاكٍ أَصْلاً. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَدُّوا حَدِيثَ " مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ " وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا خِلاَفُ الْأُصُولِ، وَلاَ يَخْلُو الْمُفْلِسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَانَ ] قَدْ مَلَكَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَلَكَهَا; فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِهَذَا; وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهَا فَلاَ حَقَّ لِبَائِعِهَا فِيمَا قَدْ مَلَكَهُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ وَتَرَكُوا هَذَا الأَعْتِرَاضَ بِعَيْنِهِ هُنَا وَأَخَذُوا بِخَبَرٍ مَكْذُوبٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ وَلِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو الْحَرْبِيُّونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مَلَكُوا مَا أَخَذُوا مِنَّا أَوْ لَمْ يَمْلِكُوهُ, فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَمْلِكُوهُ فَهَذَا قَوْلُنَا وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ, وَالْوَاجِبُ أَنْ يُرَدَّ إلَى مَالِكِهِ بِكُلِّ حَالٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلاَ ثَمَنٍ يُكَلَّفُهُ, وَإِنْ كَانُوا قَدْ مَلَكُوهُ فَلاَ سَبِيلَ لِلَّذِي أُخِذَ مِنْهُ عَلَيْهِ لاَ بِثَمَنٍ، وَلاَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لاَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلاَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ, لأََنَّهُ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ، وَلاَ فَرْقَ; فَأَيُّ عَجَبٍ أُعْجِبُ مِنْ هَذَا وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ, فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَهُوَ قَوْلُنَا وَالْوَاجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ مَلَكَهُ. قلنا: فَمَا يَحِلُّ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ لاَ بِثَمَنٍ، وَلاَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ; فَهَلْ سُمِعَ بِأَبْيَنَ فَسَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَالتَّنَاقُضِ الْفَاحِشِ وَالتَّحَكُّمِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لاَ خَفَاءَ بِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً; إذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَثَرٌ، وَلاَ صَحَّحَهُ نَظَرٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُرَدُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلاَ يُرَدُّ بَعْدَهَا. فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ أَصْلاً, لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ, وَلاَ مِنْ نَظَرٍ, وَلاَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لاَ يُرَدُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلاَ بَعْدَهَا فَهُوَ أَقَلُّهَا تَنَاقُضًا; وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ قَدْ مَلَكُوا مَا أَخَذُوا مِنَّا; وَلَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الأَصْلُ لَكَانَ قَوْلُهُمْ هُوَ الْحَقَّ, لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَخْبِرُونَا عَمَّا أَخَذَهُ مِنَّا أَهْلُ الْحَرْبِ أَبِحَقٍّ أَخَذُوهُ أَمْ بِبَاطِلٍ وَهَلْ أَمْوَالُنَا مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَوْ مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَهَلْ هُمْ ظَالِمُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ غَيْرُ ظَالِمِينَ وَهَلْ عَمِلُوا مِنْ ذَلِكَ عَمَلاً مُوَافِقًا لأََمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ نَبِيِّهِ عليه السلام, أَوْ عَمَلاً مُخَالِفًا لأََمْرِهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ دِينُ الإِسْلاَمِ وَيَخْلُدُونَ فِي النَّارِ لِخِلاَفِهِمْ لَهُ أَمْ لاَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِحَقٍّ أَنَّهُ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ ظَالِمِينَ فِي ذَلِكَ, وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِذَلِكَ عَمَلاً مُخَالِفًا لأََمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ عليه السلام, وَأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُمْ دِينُ الإِسْلاَمِ: كُفْرٌ صُرَاحٌ بَرَاحٌ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ, فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ, وَإِذْ قَدْ سَقَطَ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الآخَرُ, وَهُوَ الْحَقُّ الْيَقِينُ مِنْ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوهُ بِالْبَاطِلِ وَأَخَذُوا حَرَامًا عَلَيْهِمْ, وَهُمْ فِي ذَلِكَ أُظْلَمُ الظَّالِمِينَ, وَأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِذَلِكَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمْرُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ الْتِزَامَ دِينِ الإِسْلاَمِ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ. فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَأَخْذُهُمْ لِمَا أَخَذُوا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ, وَظُلْمٌ مَفْسُوخٌ، وَلاَ حَقَّ لَهُمْ، وَلاَ لأََحَدٍ يُشْبِهُهُمْ فِيهِ; فَهُوَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ أَبَدًا. وَهَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ, وَقَدْ أَجْمَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ أَحْرَارَنَا أَصْلاً, وَأَنَّهُمْ مُسَرَّحُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلاَ تَكْلِيفِ ثَمَنٍ, فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَمَلُّكِ الْحُرِّ, وَبَيْنَ تَمَلُّكِ الْمَالِ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَمْلِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْغَصْبِ, فَكَيْف وَقَعَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ بِالْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ مَعَ عَظِيمِ تَنَاقُضِهِمْ فِي أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا لاَ يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَظِيمَةً دَلَّتْ عَلَى فَسَادِ دِينِهِ, وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ جَوْرٌ يَنْفُذُ, وَنَظَرُهُ بِمُفَضِّلِ بَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فَحَصَلَ هَذَا الْجَاهِلُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَهُوَ أَنَّهُ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَنْفَذَ تَفْضِيلَ بَشِيرٍ لِبَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ; بَلْ أَمَرَهُ عليه السلام بِرَدِّهِ نَصًّا. ثُمَّ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَنْفَذَ الْجَوْرَ وَأَمْضَاهُ, وَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. قال أبو محمد: فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا. وقد قلنا: إنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا قَوْلٌ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَقَطْ, وَالْخَطَأُ لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَإِذْ سَقَطَتْ كُلُّهَا, فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ بِمَا ذَكَرنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِنَا إِلاَّ بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يَشَاءُ مِنْ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ قَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا صَالِحُ بْنُ سُهَيْلٍ نَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ غُلاَمًا أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُقْسَمْ. قال أبو محمد: مَنْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِسْمَتِهِ بُرْهَانٌ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَأَنَّهُ لاَ حَقَّ فِيهِ لِلْغَانِمَيْنِ, وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ لَقَسَمَهُ عليه السلام فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَهَبَ الْعَدُوُّ بِفَرَسِهِ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ وَجَدَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَسَهُ فَرَدَّهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَبَقَ لِي غُلاَمٌ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ, ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ إلَيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا شَرِيكٌ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ قَالَ: حُبِسَ لِي فَرَسٌ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدْته فِي مَرْبِطِ سَعْدٍ فَقُلْت: فَرَسِي. فَقَالَ: بَيِّنَتُك, فَقُلْت: أَنَا أَدْعُوهُ فَيُحَمْحِمُ. فَقَالَ سَعْدٌ: إنْ أَجَابَك فَإِنَّا لاَ نُرِيدُ مِنْك بَيِّنَةً فَهَذَا لَيْسَ إِلاَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ, فَهَذَا فِعْلُ الْمُسْلِمِينَ, وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ, وَابْنِ عُمَرَ: لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَالِ الْقِسْمَةِ وَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَلَ أَهْلُ الْحَرْبِ عِنْدَك تُجَّارًا بِأَمَانٍ, أَوْ رُسُلاً, أَوْ مُسْتَأْمِنِينَ مُسْتَجِيرِينَ, أَوْ مُلْتَزِمِينَ لاََنْ يَكُونُوا ذِمَّةً لَنَا فَوَجَدْنَا بِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ, أَوْ أَهْلَ ذِمَّةٍ, أَوْ عَبِيدًا, أَوْ إمَاءً لِلْمُسْلِمِينَ, أَوْ مَالاً لِمُسْلِمٍ, أَوْ لِذِمِّيٍّ: فَإِنَّهُ يُنْتَزَعُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلاَ عِوَضٍ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى أَصْحَابِهِ, وَلاَ يَحِلُّ لَنَا الْوَفَاءُ بِكُلِّ عَهْدٍ أُعْطُوهُ عَلَى خِلاَفِ هَذَا; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا مَا يَقُولُ لَوْ عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى أَنْ لاَ نُصَلِّيَ, أَوْ لاَ نَصُومَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا, أَوْ تَذَمَّمُوا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ كُلُّ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ, أَوْ لِمُسْلِمٍ, أَوْ لِذِمِّيٍّ, وَيُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ بِلاَ عِوَضٍ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا اسْتَهْلَكُوا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ حَرْبِيِّينَ. وَلَوْ أَنَّ تَاجِرًا; أَوْ رَسُولاً دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَافْتَدَى أَسِيرًا, أَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ, أَوْ ابْتَاعَ مَتَاعًا لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ, فَخَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ: اُنْتُزِعَ مِنْهُ كُلُّ ذَلِكَ, وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ, وَهُوَ مِنْ خَسَارَةِ الْمُشْتَرِي, وَأُطْلِقَ الأَسِيرُ بِلاَ غَرَامَةٍ لِمَا ذَكَرنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّ أَبْطَلَ الْبَاطِلِ, وَأَظْلَمَ الظُّلْمِ: أَخْذُ الْمُشْرِكِ لِلْمُسْلِمِ, أَوْ لِمَالِهِ, أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمَالِهِ, وَالظُّلْمُ لاَ يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ بَلْ يُرَدُّ وَيُفْسَخُ. فَلَوْ أَنَّ الأَسِيرَ قَالَ لِمُسْلِمٍ, أَوْ لِذِمِّيٍّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ: افْدِنِي مِنْهُمْ, وَمَا تُعْطِيهِمْ دَيْنٌ لَك عَلَيَّ, فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ, لأََنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ فَأَقْرَضَهُ, وَهَذَا حَقٌّ. وقال مالك, وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ نَزَلَ حَرْبِيُّونَ بِأَمَانٍ وَعِنْدَهُمْ مُسْلِمَاتٌ مَأْسُورَاتٌ: لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْهُمْ, وَلاَ يُمْنَعُونَ مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ تَذَمَّمَ حَرْبِيُّونَ وَبِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ: فَهُمْ بَاقُونَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ عَبِيدٌ لَهُمْ كَمَا كَانُوا. وَهَذَانِ الْقَوْلاَنِ لاَ نَعْلَمُ قَوْلاً أَعْظَمَ فَسَادًا مِنْهُمَا, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا, وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْقَوْلُ لَوْ كَانَ بِأَيْدِيهِمْ شُيُوخٌ مُسْلِمُونَ وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَيُتْرَكُونَ وَذَلِكَ أَوْ لَوْ أَنَّ بِأَيْدِيهِمْ مَصَاحِفَ أَيُتْرَكُونَ يَمْسَحُونَ بِهَا الْعَذِرَ عَنْ أَسْتَاهِهِمْ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَتَمَّ الْبَرَاءَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي جَنْدَلٍ, وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا أَنَّهُ عليه السلام رَدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ تَمَّ بَيْنَهُمْ, وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى أَجَارَهُ لَهُ مُكَرَّزُ بْنُ حَفْصٍ مِنْ أَنْ يُؤْذَى. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ عليه السلام قَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ذَلِكَ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ: وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ( بَرَاءَةٌ ) أَيْضًا: وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ, وَفِيهِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ, قَالَ: فَوَاَللَّهِ إذًا لاَ أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَأَجِزْهُ لِي قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ, قَالَ مُكَرَّزٌ، هُوَ ابْنُ حَفْصِ بْنِ الأَحْنَفِ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ كُلِّهِمْ وَحَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانُ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ جَاءَ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَكْتُبُ هَذَا قَالَ: نَعَمْ, إنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ, وَمِنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا وَهَذَا خَبَرٌ مِنْهُ عليه السلام مَقْطُوعٌ بِصِدْقِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ, وَآخَرَ: يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ, وَفِيهِ: فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو, وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا, وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ, وَجَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْجِعْهَا إلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ: وَمَنْ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْكُفَّارِ فَعَاهَدُوهُ عَلَى الْفِدَاءِ وَأَطْلَقُوهُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ, وَلاَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا, وَلاَ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا, فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الأَنْطِلاَقِ إِلاَّ بِالْفِدَاءِ فَفَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْدُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِفِدَائِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلاَ يَحِلُّ فِدَاءُ الأَسِيرِ الْمُسْلِمِ إِلاَّ إمَّا بِمَالٍ, وَأَمَّا بِأَسِيرٍ كَافِرٍ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُرَدَّ صَغِيرٌ سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ إلَيْهِمْ لاَ بِفِدَاءٍ، وَلاَ بِغَيْرِ فِدَاءٍ; لأََنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْم الإِسْلاَمِ بِمِلْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ, فَهُوَ وَأَوْلاَدُ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ. وَمَا وَهَبَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِلْمُسْلِمِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ, أَوْ التَّاجِرِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَلاَلٌ, وَهِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَالَ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ, وَكَذَلِكَ مَا ابْتَاعَهُ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ فَهُوَ ابْتِيَاعٌ صَحِيحٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَالاً لِمُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ; لأََنَّهُمْ مَالِكُونَ لأََمْوَالِهِمْ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهَا الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ فَسَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ, أَوْ لَمْ يَخْرُجَ, أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ أَسْلَمَ, كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَجَمِيعُ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ; أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ, أَوْ الَّذِي تَرَكَ وَرَاءَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ عَقَارٍ, أَوْ دَارٍ, أَوْ أَرْضٍ, أَوْ حَيَوَانٍ, أَوْ نَاضٍّ; أَوْ مَتَاعٍ فِي مَنْزِلِهِ, أَوْ مُودَعًا, أَوْ كَانَ دَيْنًا: هُوَ كُلُّهُ لَهُ, لاَ حَقَّ لأََحَدٍ فِيهِ, وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ إنْ غَنِمُوهُ أَوْ افْتَتَحُوا تِلْكَ الأَرْضَ. وَمَنْ غَصَبَهُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ حَرْبِيٍّ, أَوْ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ: رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ إنْ مَاتَ, وَأَوْلاَدُهُ الصِّغَارُ مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ. وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ الْكِبَارُ فَفَيْءٌ إنْ سُبُوا وَهُوَ بَاقٍ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا, وَهِيَ رَقِيقٌ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ سَهْمَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ, وَبِلاَ خِلاَفٍ, وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: مُسْلِمٌ; وَإِذْ هُوَ مُسْلِمٌ, فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَصَحَّ أَنَّ دَمَهُ, وَبَشَرَتَهُ, وَعِرْضَهُ, وَمَالَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ, وَنِكَاحُ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ, لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمْ, وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا أَقَرَّهُ, وَمِنْهُ خُلِقَ عليه السلام, وَلَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ, فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا لاَ يَفْسُدُ شَيْءٌ, وَلاَ غَيْرُهُ إِلاَّ مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ بِفَسَادِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لاَ يُنَازِعُونَنَا فِي أَنَّ دَمَهُ, وَعِرْضَهُ, وَبَشَرَتَهُ, حَرَامٌ ثُمَّ يَضْطَرِبُونَ فِي أَمْرِ مَالِهِ, وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَوْلُنَا هَذَا كُلُّهُ هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة: إنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى تَغَلَّبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ حُرٌّ, وَأَمْوَالُهُ كُلُّهَا لَهُ, لاَ يُغْنَمُ مِنْهَا شَيْئًا, وَلاَ مِمَّا كَانَ لَهُ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ, وَأَوْلاَدُهُ الصِّغَارُ مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ, حَاشَا أَرْضَهُ وَحَمْلَ امْرَأَتِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ غَنِيمَةٌ وَفَيْءٌ وَيَكُونُ الْجَنِينُ مَعَ ذَلِكَ مُسْلِمًا. وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ الْكِبَارُ فَفَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَرْضُهُ لَهُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ فَأَوْلاَدُهُ الصِّغَارُ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لاَ يُغْنَمُونَ, وَكُلُّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ فَلَهُ, وَلاَ يُغْنَمُ وَأَمَّا سَائِرُ مَا تَرَكَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ أَرْضٍ, أَوْ عَقَارٍ, أَوْ أَثَاثٍ, أَوْ حَيَوَانٍ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ وَكَذَلِكَ حَمْلُ امْرَأَتِهِ, وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ. فَإِنْ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ كَافِرًا, ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَأَمَّا كُلُّ مَا تَرَكَ مِنْ أَرْضٍ, أَوْ عَقَارٍ, أَوْ مَتَاعٍ, أَوْ حَيَوَانٍ, أَوْ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ, وَلاَ يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلاَمِهِ. قال أبو محمد: لَوْ قِيلَ لأَِنْسَانٍ أَسْخِفْ وَاجْتَهِدْ مَا قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا, وَلاَ تُعْرَفُ هَذِهِ التَّقَاسِيمُ لأََحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُ, وَمَا تَعَلُّقَ فِيهَا لاَ بِقُرْآنٍ, وَلاَ بِسُنَّةٍ, وَلاَ بِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ, وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ, وَلاَ بِقِيَاسٍ, وَلاَ بِرَأْيٍ يُعْقَلُ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ; بَلْ هُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَنِ: فِي إبَاحَتِهِ مَالَ الْمُسْلِمِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ لِلْغَنِيمَةِ بِالْبَاطِلِ, وَخِلاَفُ الْمَعْقُولِ, إذْ صَارَ عِنْدَهُ فِرَارُهُ إلَى أَرْضِ الإِسْلاَمِ بِنَفْسِهِ وَإِسْلاَمُهُ فِيهَا: ذَنْبًا عَظِيمًا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ إبَاحَةَ صِغَارِ أَوْلاَدِهِ لِلْإِسَارِ وَالْكُفْرِ, وَإِبَاحَةَ جَمِيعِ مَالِهِ لِلْغَنِيمَةِ, هَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَجَعَلَ بَقَاءَهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ خُصْلَةً حَرَّمَ بِهَا أَمْوَالَهُ كُلَّهَا حَاشَا أَرْضَهُ, وَحَرَّمَ بِهَا صِغَارَ أَوْلاَدِهِ حَاشَا الْجَنِينِ, هَذَا مَعَ إبَاحَتِهِ لِلْكُفَّارِ وَالْحَرْبِيِّينَ: تَمَلُّكَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ, وَتَحْرِيمِهِ ضَرْبَهُمْ وَقَتْلَهُمْ إنْ أَعْلَنُوا بِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَقْزَعِ السَّبِّ, وَتَكْذِيبِهِ فِي الأَسْوَاقِ, فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ قَتِيلاً قُتِلَ بِهِ فَكَيْفَ تَرَوْنَ وَهُوَ أَيْضًا خِلاَفُ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ; لأََنَّهُ لاَ يَشُكُّ مُؤْمِنٌ, وَلاَ كَافِرٌ, وَلاَ جَاهِلٌ, وَلاَ عَالَمٌ فِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا أَطْوَارًا. فَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ, ثُمَّ فَرُّوا عَنْهَا بِأَدْيَانِهِمْ: كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم. وَطَائِفَةٌ خَرَجُوا كُفَّارًا, ثُمَّ أَسْلَمُوا: كَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَسْلَمَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ, وَأَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَ فِي عَسْكَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا وَبَقُوا بِمَكَّةَ كَجَمِيعِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ النِّسَاءِ, وَغَيْرِهِمْ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ قَدْ مَلَكَهَا الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ. قال أبو محمد: لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُ الْحَيَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ وَأَيُّ إشَارَةٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ إلَى مَا قَالَ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي قَوْلِهِ; لأََنَّهُ تَعَالَى أَبْقَى أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فِي مِلْكِهِمْ, بِأَنْ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ, وَجَعَلَهَا لَهُمْ, وَعَظَّمَ بِالْإِنْكَارِ إخْرَاجَهُمْ ظُلْمًا مِنْهَا وَنَعَمْ, هُمْ فُقَرَاءُ بِلاَ شَكٍّ; إذْ لاَ يَجِدُونَ غِنًى. وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ, أَوْ الْمَشْرِقِ لَوْ حَجَّ فَفَرَغَ مَا فِي يَدِهِ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ, وَلَهُ فِي بِلاَدِهِ ضِيَاعٌ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ, وَأَثَاثٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ; وَهُوَ حَيْثُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَرْضٍ, وَلاَ عَلَى ابْتِيَاعٍ, وَلاَ بَيْعٍ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ, وَمَالُهُ فِي بِلاَدِهِ مُنْطَلِقَةٌ عَلَيْهِ يَدُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فِتْنَةٌ, أَوْ غَصْبٌ, وَلاَ فَرْقَ, وَلَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُغْتَرِّينَ بِهِمْ مِنْهُمْ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَسَاقِطَةٌ; لأََنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ لَمْ يُولَدْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَفِيهَا: ابْنُ لَهِيعَةَ, وَهُوَ لاَ شَيْءَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ; بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا وَخِلاَفٌ لِقَوْلِهِمْ لأََنَّ نَصَّهَا, مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ كَمَا كَانَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ; ثُمَّ فِيهَا إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ, أَوْ الْهَزِيمَةِ فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ, لأََنَّهُ قَدْ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ إسْلاَمِهِ فَهَذَا قَوْلُنَا; لأََنَّهُ قَدْ صَارَ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ; فَاعْجَبُوا لِتَمْوِيهِهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ بِمَا هُوَ عَلَيْهِمْ لِيُضِلُّوا بِهِ مِنْ اغْتَرَّ بِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَامْرَأَتُهُ حُرَّةٌ لاَ تُسْتَرَقُّ; لأََنَّ الْجَنِينَ حِينَئِذٍ بَعْضُهَا, وَلاَ يُسْتَرَقُّ, لأََنَّهُ جَنِينٌ مُسْلِمٌ. وَمَنْ كَانَ بَعْضُهَا حُرًّا فَهِيَ كُلُّهَا حُرَّةٌ لِمَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ حُكْمِهَا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ إسْلاَمِ أَبِيهِ لأََنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا, وَهُوَ رُبَّمَا كَانَ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ وَلَهَا زَوْجٌ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ, أَوْ حَرْبِيٌّ فَحِينَ إسْلاَمِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ, أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلاَّ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَلاَ. فَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, فَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَهَا, فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا أَسْلَمَتْ هِيَ, أَمْ لَمْ تُسْلِمْ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَسَاعَةَ إسْلاَمِهِ قَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ, أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَأَكْثَرَ. لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلاَّ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِرِضَاهَا إنْ أَسْلَمَتْ, وَإِلَّا فَلاَ, سَوَاءٌ حَرْبِيَّيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ كَانَا. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم . وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ, وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ, وَقَتَادَةُ, وَالشَّعْبِيُّ, وَغَيْرُهُمْ. وقال أبو حنيفة: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الآخَرِ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ الإِسْلاَمَ عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمَا; فَإِنْ أَسْلَمَ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ أَبَى فَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ, وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبَ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَسَاعَةَ حُصُولِهَا فِي دَارِ الإِسْلاَمِ يَقَعُ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا لاَ قَبْلَ ذَلِكَ; فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ هُوَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ وَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ ثَلاَثَ حِيَضٍ أُخَرَ عِدَّةً مِنْهُ, وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا. قَالَ: فَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ مِنْ وَقْتِهِ. وقال مالك: إنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا, فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. قَالَ: فَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ, وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ عُرِضَ الإِسْلاَمُ عَلَيْهَا, فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ أَبَتْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَةَ إبَائِهَا, فَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَتَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَكْسَ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ وَثَنِيَّةٌ, فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ, وَإِلَّا فَبِتَمَامِهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ, وَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ وَقْتَ الْفُرْقَةِ فِي الْحِينِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ, وَاللَّيْثُ, وَالشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَتُرَاعَى الْعِدَّةُ, فَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ, وَأَحَدُ قَوْلِيِّ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. قال أبو محمد: أُمًّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ, لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ, وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُحَدُّوا وَقْتَ عَرْضِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ, وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ مِثْلُ تَقْسِيمِهِ لأََحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ, وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِمَا كَانَ السُّكُوتُ أَوْلَى بِهِ لَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ, مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا ] مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضْلٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْيَهُودِيِّ, أَوْ النَّصْرَانِيِّ: كَانَ أَحَقَّ بِبُضْعِهَا, لأََنَّ لَهُ عَهْدًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ هَانِئَ بْنَ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشَّيْبَانِيُّ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَقَرَّهُنَّ عُمَرُ عِنْدَهُ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْت لِلْحُكْمِ: عَمَّنْ هَذَا قَالَ: هَذَا شَيْءٌ مَعْرُوفٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ, وَابْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ, وَالْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ وَقَالَ غُنْدَرُ: نَا شُعْبَةُ نَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُغِيرَةُ, وَمَنْصُورٌ, وَحَمَّادٌ, كُلُّهُمْ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ, قَالَ: تُقَرُّ عِنْدَهُ وَبِهِ أَفْتَى حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا فَهَذَا قَوْلٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ: صَحَّ عَنْهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ, وَقَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فَخَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ, وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ ثَالِثٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ بِشْرٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ مِنْ ابْن أَخٍ لَهُ نَصْرَانِيٍّ فَرَكِبَ عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ; فَكَتَبَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ: إنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ; وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا; فَلَمْ يُسْلِمْ, فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا, فَتَزَوَّجَهَا عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا, لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ ابْتِدَاءَ عَقْدِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ رَابِعٌ لاَ يَصِحُّ عَنْهُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنِي ابْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ, عُرِضَ عَلَيْهِ الإِسْلاَمُ فَأَبَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيَّ كَانَ نَاكِحًا بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَأَسْلَمَتْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إمَّا أَنْ تُسْلِمَ وَأَمَّا أَنْ نَنْتَزِعَهَا مِنْك فَأَبَى, فَنَزَعَهَا عُمَرُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مُضَرَ التَّغْلِبِيَّ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ التَّمِيمِيَّةُ, وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ, فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَالسَّفَّاحُ, وَدَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ مَجْهُولاَنِ. وَكَذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ, وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرِينَ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: إنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا, فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إِلاَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ. وَأَمَّا مِنْ رَاعَى عَرْضَ الإِسْلاَمِ فَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبِي أَنْ يُسْلِمَ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. قال أبو محمد: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ إبَايَتِهِ بَعْدَ إسْلاَمِهَا وَقَدْ يُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ مَعَهَا. وَأَمَّا مَنْ رَاعَى الْعِدَّةَ فَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فَمَرْوِيٌّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَنَّ جَدَّهُ وَجَدَّتَهُ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَتْ جَدَّتُهُ; فَفَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْيَهُودِيَّةِ, أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ, أَوْ النَّصْرَانِيِّ. قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا, الإِسْلاَمُ يَعْلُو، وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَنَا حِلٌّ, وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِمْ حَرَامٌ. وَصَحَّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا, قَالَ: قَدْ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمَا وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي نَصْرَانِيَّةٍ أَسْلَمَتْ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ قَالَ: قَدْ فَرَّقَ الإِسْلاَمُ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي كَافِرَةٍ تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ. قَالُوا: قَدْ فَرَّقَ الإِسْلاَمُ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَعَدِيِّ بْنِ عَدِيِّ: هَذَا بِعَيْنِهِ أَيْضًا. وَعَنْ الْحَسَنِ, ثَابِتٌ أَيْضًا: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَرَّقَ الإِسْلاَمُ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. قال أبو محمد: أَمَّا جَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا فَمَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا تُقَرُّ عِنْدَهُ وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا; فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: نِكَاحُ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ,، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيّ, وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ النُّفَيْلِيُّ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, وَقَالَ الرَّازِيّ: نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ, وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ أَوْ ابْنُ هَارُونَ أَحَدُهُمَا بِلاَ شَكٍّ, ثُمَّ اتَّفَقَ سَلَمَةُ, وَابْنُ سَلَمَةَ, وَيَزِيدُ, كُلُّهُمْ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ. زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ. وَزَادَ سَلَمَةُ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَزَادَ يَزِيدُ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ. وَقَالُوا: قَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ كُفَّارِ الْعَرَبِ عَلَى نِسَائِهِمْ, وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ, وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا. قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرنَا, فأما قَوْلُهُمْ: إنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ بِغَيْرِ يَقِينٍ فَصَدَقُوا, وَالْيَقِينُ قَدْ جَاءَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَصَحِيحٌ يَعْنِي حَدِيثَ زَيْنَبَ مَعَ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنهما، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأََنَّ إسْلاَمَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ, وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ, وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِإِسْلاَمِ الْعَرَبِ فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى خَبَرٍ صَحِيحٍ بِأَنَّ إسْلاَمَ رَجُلٍ تَقَدَّمَ إسْلاَمَ امْرَأَتِهِ, أَوْ تَقَدَّمَ إسْلاَمُهَا فَأَقَرَّهُمَا عليه السلام عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ; فَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأََنَّهُ إطْلاَقُ الْكَذِبِ, وَالْقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدَ, وَامْرَأَةَ صَفْوَانَ أَسْلَمَتْ قَبْلَ صَفْوَانَ قلنا: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُمَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَمْ يُجَدِّدَا عَقْدًا وَهَلْ جَاءَ ذَلِكَ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. قال أبو محمد: وَهُنَا شَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ: فأما الشَّافِعِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا كُلِّهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي الْعَاصِ وَجَعَلُوا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعِدَّةَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرنَا مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي أَمْرِ أَبِي الْعَاصِ, وَأَمْرِ هِنْدَ, وَامْرَأَةِ صَفْوَانَ, وَسَائِرِ مَنْ أَسْلَمَ: إنَّمَا هُوَ الْعِدَّةُ وَمَنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَذَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا ذِكْرُ عِدَّةٍ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا أَصْلاً, وَلاَ عِدَّةَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مِنْ طَلاَقٍ, أَوْ وَفَاةٍ, وَالْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا, وَلَيْسَتْ الْمُسْلِمَةُ تَحْتَ كَافِرٍ, وَلاَ الْبَاقِيَةُ عَلَى الْكُفْرِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ, وَلاَ الْمُرْتَدَّةُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ, فَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمُونَا بِهَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا إِلاَّ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ; فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ فِي أَوَّلِ بَعْثِ أَبِيهَا عليه السلام لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ, ثُمَّ هَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَكَانَ بَيْنَ إسْلاَمِهَا وَإِسْلاَمِهِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ وَلَدَتْ فِي خِلاَلِ هَذَا ابْنَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فَأَيْنَ الْعِدَّةُ لَوْ عَقَلْتُمْ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ مَوَّهُوا بِامْرَأَةِ صَفْوَانَ. عُورِضُوا بِهَذَا, وَأَبِي سُفْيَانَ, وَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ هَجَرَ الْكُفْرَ الَّذِي قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فَهُوَ مُهَاجِرٌ. وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا مُبَاحٌ لَنَا. فَصَحَّ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ بِإِسْلاَمِهَا. وَصَحَّ أَنَّ الَّذِي يُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ لاَ يُمْسِكَ عِصْمَةً كَافِرَةً. فَصَحَّ أَنَّ سَاعَةَ يَقَعُ الإِسْلاَمُ, أَوْ الرِّدَّةُ, فَقَدْ انْقَطَعَتْ عِصْمَةُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْكَافِرِ, وَعِصْمَةُ الْكَافِرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَكَانَا كَافِرَيْنِ, أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ تَخْلِيطٌ, وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|